فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (120- 122):

قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{فوسوس} أي فتعقب تحذيرنا هذا من غير بعد في الزمان أن وسوس {إليه الشيطان} المحترق المطرود، وهو إبليس، أي ألقى إليه وجه الخفاء بما مكناه من الجري في هذا النوع مجرى الدم، وقذف المعاني في قلبه، وكأنه عبر ب إلى، لأن المقام لبيان سرعة قبول هذا النوع للنقائص وإن أتته من بعد، أو لأنه ما أنهى إليه ذلك إلا بواسطة زوجه، لذلك عدى الفعل عند ذكرهما بالام، وكأنه قيل: ما دس إليه؟ فقيل: {قال يا آدم} ثم ساق له الغش مساق العرض، إبعادًا لنفسه من التهمة والغرض؛ وشوقه إليه أولًا بقوله: {هل أدلك} فإن النفس شديدة الطلب لعلم ما تجهله؛ وثانيًا بقوله: {على شجرة الخلد} أي التي من أكل منها خلد، فإن الإنسان أحب شيء في طول البقاء؛ وثالثًا بقوله: {وملك لا يبلى} أي لا يخلق أصلًا، فكأنه قال له بلسان الحال أو القال: نعم، فقال: شجرة الخلد هذه- مشيرًا إلى التي نهي عنها- ما بينك وبين الملك الدائم إلا أن تأكل منها.
{فأكلا} أي فتسبب عن قوله وتعقب أن أكل {منها} هو وزوجه، متبعين لقوله ناسيين ما عهد إليهما {فبدت لهما} لما خرقا من ستر النهي وحرمته {سوءاتهما} وقوعًا لما حذرا منه من إخراجهما مما كانا فيه {وطفقا} أي شرعا {يخصفان} أي يخيطان أو يلصقان {عليهما من ورق الجنة} ليسترا عوراتهما {وعصى آدم} وإن كان إنما فعل المنهي نسيانًا، لأن عظم مقامه وعلو رتبته يقتضيان له مزيد الاعتناء ودوام المراقبة مع ربط الجأش ويقظة الفكر {ربه} أي المحسن إليه بما لم ينله أحدًا من بنيه من تصويره له بيده وإسجاد ملائكته له ومعاداة من عاداه {فغوى} من الغواية وهي الضلال، ولذلك قالوا: المعنى: فضلّ عن طريق السداد، فأخطأ طريق التوصل إلى الخلد بمخالفة أمره، وهو صفيه، لم ينزله عن رتبة الاصطفاء، لأن رحمته واسعة، وحلمه عظيم، وعفوه شامل، فلا يهمنك أمر القوم اللد، فإنا قادرون على أن نقبل بقلوب من شئنا منهم فنجعلهم من أصفى الأصفياء، ونخرج من أصلاب من شئنا منهم من نجعل قلبه معدن الحكمة والعلم.
ولما كان الرضى عنه- مع هذا الفعل الذي أسرع فيه اتباع العدو وعصيان الولي بشيء لا حاجة به إليه- مستبعدًا جدًا، أثبت ذلك تعالى مشيرًا إليه بأداة التراخي فقال: {ثم اجتباه ربه} أي المحسن إليه {فتاب عليه} أي بسبب الاجتباء بالرجوع إلى ما كان عليه من طريق السداد {وهدى} بالحفظ في ذلك كما هو الشأن في أهل الولاية والقرب. اهـ.

.قال الفخر:

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)}.
واعلم أنه سبحانه بين أنه عظم آدم عليه السلام بأن جعله مسجودًا للملائكة وبين أنه عرفه شدة عداوة إبليس له ولزوجه وأنه لعداوته يدعوهم إلى المعصية التي إذا وقعت زالت تلك النعم بأسرها، ثم إنه مع ذلك اتفق منه ومن حواء الإقدام على الزلة ما اتفق، والعجب ما روي عن أبي أمامة الباهلي قال: لو أن أحلام بني آدم إلى قيام الساعة وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في الأخرى لرجح حلمه بأحلامهم ولكن المكادحة مع قضاء الله تعالى ممتنعة، واعلم أن واقعة آدم عجيبة وذلك لأن الله تعالى رغبه في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله: {فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تضحى} [طه: 117 119] ورغبه إبليس أيضًا في دوام الراحة بقوله: {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد} وفي انتظام المعيشة بقوله: {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} فكان الشيء الذي رغب الله آدم فيه هو الذي رغبه إبليس فيه إلا أن الله تعالى وقف ذلك على الاحتراس عن تلك الشجرة وإبليس وقفه على الإقدام عليها، ثم إن آدم عليه السلام مع كمال عقله وعلمه بأن الله تعالى مولاه وناصره ومربيه أعلمه بأن إبليس عدوه حيث امتنع من السجود له وعرض نفسه للعنة بسبب عداوته، كيف قبل في الواقعة الواحدة والمقصود الواحد قول إبليس مع علمه بكمال عداوته له وأعرض عن قول الله تعالى مع علمه بأنه هو الناصر والمربي.
ومن تأمل في هذا الباب طال تعجبه وعرف آخر الأمر أن هذه القصة كالتنبيه على أنه لا دافع لقضاء الله ولا مانع منه، وأن الدليل وإن كان في غاية الظهور ونهاية القوة فإنه لا يحصل النفع به إلا إذا قضى الله تعالى ذلك وقدره.
وأما قوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان} فقد تقدم في سورة البقرة أنه كيف وسوس، وبماذا وسوس.
فإن قيل: كيف عدى وسوس تارة باللام في قوله: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} [الأعراف: 20] وأخرى بإلى؟ قلنا قوله: {فوسوس له} معناه لأجله وقوله: {وسوس إِلَيْهِ} معناه أنهى إليه الوسوسة كقوله حدث له وأسر إليه ثم بين أن تلك الوسوسة كانت بتطميعه في أمرين: أحدهما: قوله: {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد} أضاف الشجرة إلى الخلد وهو الخلود لأن من أكل منها صار مخلدًا بزعمه.
الثاني: قوله: {وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} أي من أكل من هذه الشجرة دام ملكه، قال القاضي: ليس في الظاهر أن آدم قبل ذلك منه بل لو وجدت هذه الوسوسة حال كون آدم عليه السلام نبيًا لاستحال أن يكون آدم عليه السلام قبل ذلك منه، لأنه لابد وأن تحصل بين حال التكليف وحال المجازاة فترة بالموت، وبالمعنى فآدم لما كان نبيًا امتنع أن لا يعلم ذلك.
قلنا: لا نسلم بأنه لابد من حصول هذه الفترة بين حال التكليف وحال المجازاة، ولم لا يجوز أن يقال: لا حاجة إلى الفترة أصلًا، وإن كان ولابد فيكفي حصول الفترة بغشي أو نوم خفيف.
ثم إن كان ولابد من حصول الفترة بالموت فلم قلت: النبي لابد وأن يعلم ذلك، أليس قوم منكم يقولون إن موسى عليه السلام إنما سأل الرؤية لأنه ما كان يعرف امتناعها على الله تعالى فإذا جاز ذلك الجهل فلم لا يجوز هذا الجهل، ثم ما الدليل على أن آدم كان نبيًا في ذلك الوقت فإن مذهبنا أن واقعة الزلة إنما حصلت قبل رسالته لا بعدها، ثم إن الذي يدل على أن آدم عليه السلام قبل ذلك قوله تعالى عقيب ذكر الوسوسة فأكلا منها، وهذا الترتيب مشعر بالعلية كقولهم: زنى ماعز فرجم وسها رسول الله فسجد فإن هذه الفاء تدل على أن الرجم كالمسبب للزنا والسجود كالمسبب للسهو فكذلك هاهنا يجب أن يكون الأكل كالمعلل باستماع قوله: {هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد وَمُلْكٍ لاَّ يبلى} وإنما يحصل هذا التعليل لو قبل آدم ذلك منه، فإنه لو رد قوله لما أقدم على الأكل بناء على قوله، فثبت أن آدم عليه السلام قبل ذلك من إبليس ثم إنه سبحانه بين أنهما لما أكلا بدت لهما سوآتهما، قال ابن عباس: عريا من النور الذي كان الله ألبسهما حتى بدت فروجهما وإنما جمع فقيل سوآتهما كما قال: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] فإن قيل: هل كان ظهور سوآتهما كالجزاء على معصيتهما، قلنا: لا شك أن ذلك كالمعلق على ذلك الأكل، لكن يحتمل أن لا يكون عقابًا عليه، بل إنما ترتب عليه لمصلحة أخرى أما قوله: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الجنة} ففيه أبحاث:
البحث الأول: قال صاحب الكشاف: طفق يفعل كذا مثل جعل يفعل وأخذ وأنشأ وحكمها حكم كاد في وقوع الخبر فعلًا مضارعًا وبينها وبينه مسافة قصيرة، وهي للشروع في أول الأمر، وكاد لمقاربته والدنو منه.
البحث الثاني: قرى يخصفان للتكثير والتكرير من خصف النعل، وهو أن يخرز عليها الخصاف أي يلزقان الورقة على سوآتهما للستر وهو ورق التين، أما قوله: {وعصى ءَادَمُ رَبَّهُ فغوى} فمن الناس من تمسك بهذا في صدور الكبيرة عنه من وجهين: الأول: أن العاصي اسم للذم فلا ينطلق إلا على صاحب الكبيرة لقوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خالدا فِيهَا} [النساء: 14] ولا معنى لصاحب الكبيرة إلا من فعل فعلًا يعاقب عليه.
والوجه الثاني: أن الغواية والضلالة اسمان مترادفان والغي ضد الرشد ومثل هذا الاسم لا يتناول إلا الفاسق المنهمك في فسقه.
أجاب قوم عن الكلام الأول فقالوا: المعصية مخالفة الأمر، والأمر قد يكون بالواجب والندب فإنهم يقولون: أشرت عليه في أمر ولده في كذا فعصاني، وأمرته بشرب الدواء فعصاني، وإذا كان الأمر كذلك لم يمتنع إطلاق اسم العصيان على آدم لا لكونه تاركًا للواجب بل لكونه تاركًا للمندوب، فأجاب المستدل عن هذا الاعتراض بأنا بينا أن ظاهر القرآن يدل على أن العاصي مستحق للعقاب والعرف يدل على أنه اسم ذم فوجب تخصيص اسم العاصي بتارك الواجب، ولأنه لو كان تارك المندوب عاصيًا لوجب وصف الأنبياء بأسرهم بأنهم عصاة في كل حال لأنهم لا ينفكون من ترك المندوب، فإن قيل: وصف تارك المندوب بأنه عاص مجاز والمجاز لا يطرد، قلنا: لما سلمت كونه مجازًا فالأصل عدمه، أما قوله: أشرت عليه في أمر ولده في كذا فعصاني وأمرته بشرب الدواء فعصاني قلنا: لا نسلم أن هذا الاستعمال مروي عن العرب، ولئن سلمنا ذلك ولكنهم إنما يطلقون ذلك إذا جزموا على المستشير بأنه لابد وأن يفعل ذلك الفعل وأنه لا يجوز الإخلال بذلك الفعل وحينئذ يكون معنى الإيجاب حاصلًا وإن لم يكن الوجوب حاصلًا، وذلك يدل على أن لفظ العصيان لا يجوز إطلاقه إلا عند تحقق الإيجاب، لكنا أجمعنا على أن الإيجاب من الله تعالى يقتضي الوجوب، فيلزم أن يكون إطلاق لفظ العصيان على آدم عليه السلام إنما كان لكونه تاركًا للواجب، ومن الناس من سلم أن الآية تدل على صدور المعصية منه لكنه زعم أن المعصية كانت من الصغائر لا من الكبائر، وهذا قول عامة المعتزلة وهو أيضًا ضعيف، لأنا بينا أن اسم العاصي اسم للذم، ولأن ظاهر القرآن يدل على أنه يستحق العقاب وذلك لا يليق بالصغيرة، وأجاب أبو مسلم الأصفهاني بأنه عصى في مصالح الدنيا لا فيما يتصل بالتكاليف وكذلك القول في غوى، وهذا أيضًا بعيد لأن مصالح الدنيا تكون مباحة، ومن يفعلها لا يوصف بالعصيان الذي هو اسم للذم ولا يقال: {فدلالهما بغرور} وأما التمسك بقوله تعالى: {فغوى} فأجابوا عنه من وجوه: أحدها: أنه خاب من نعيم الجنة وذلك لأنه لما أكل من تلك الشجرة ليصير ملكه دائمًا ثم لما أكل زال فلما خاب سعيه وما نجح قيل إنه غوى، وتحقيقه أن الغي ضد الرشد، والرشد هو أن يتوصل بشيء إلى شيء يوصل إلى المقصود فمن توصل بشيء إلى شيء فحصل له ضد مقصوده كان ذلك غيًا.
وثانيها: قال بعضهم: غوى أي بشم من كثرة الأكل.
قال صاحب الكشاف: هذا وإن صح على لغة من يقلب الياء المكسورة ما قبلها ألفًا، فيقول في فنى وبقى فنا وبقا، وهم بنو طيء فهو تفسير خبيث، واعلم أن الأولى عندي في هذا الباب والأحسم للشغب أن يقال: هذه الواقعة كانت قبل النبوة وقد شرحنا ذلك في سورة البقرة.
وههنا بحث لابد منه وهو أن ظاهر القرآن وإن دل على أن آدم عصى وغوى لكن ليس لأحد أن يقول: إن آدم كان عاصيًا غاويًا، ويدل على صحة قولنا أمور: أحدها: قال العتبي: يقال لرجل قطع ثوبًا وخاطه قد قطعه وخاطه، ولا يقال: خائط ولا خياط حتى يكون معاودًا لذلك الفعل معروفًا به، ومعلوم أن هذه الزلة لم تصدر عن آدم عليه السلام إلا مرة واحدة فوجب أن لا يجوز إطلاق هذا الاسم عليه.
وثانيها: أن على تقدير أن تكون هذه الواقعة إنما وقعت قبل النبوة، لم يجز بعد أن قبل الله توبته وشرفه بالرسالة والنبوة، إطلاق هذا الاسم عليه كما لا يقال لمن أسلم بعد الكفر إنه كافر بمعنى أنه كان كافرًا، بل وبتقدير أن يقال: هذه الواقعة وقعت بعد النبوة لم يجز أيضًا أن يقال ذلك لأنه عليه السلام تاب عنها، كما أن الرجل المسلم إذا شرب الخمر أو زنى ثم تاب وحسنت توبته لا يقال له بعد ذلك إنه شارب خمر أو زانٍ فكذا ههنا.
وثالثها: أن قولنا: عاص وغاو يوهم كونه عاصيًا في أكثر الأشياء وغاويًا عن معرفة الله تعالى ولم ترد هاتان اللفظتان في القرآن مطلقتين بل مقرونتين بالقصة التي عصى فيها فكأنه قال: عصى في كيت وكيت وذلك لا يوهم التوهم الباطل الذي ذكرناه.
ورابعها: أنه يجوز من الله تعالى ما لا يجوز من غيره، كما يجوز للسيد في عبيده وولده عند معصيته من إطلاق القول ما لا يجوز لغير السيد في عبده وولده، أما قوله: {ثُمَّ اجتباه رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهدى} فالمعنى ثم اصطفاه فتاب عليه أي عاد عليه بالعفو والمغفرة وهداه رشده حتى رجع إلى الندم والاستغفار وقبل الله منه ذلك، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو جمع بكاء أهل الدنيا إلى بكاء داود كان بكاؤه أكثر، ولو جمع كل ذلك إلى بكاء نوح لكان بكاء نوح أكثر، وإنما سمي نوحًا لنوحه على نفسه، ولو جمع كل ذلك إلى بكاء آدم لكان بكاء آدم على خطيئته أكثر» وقال وهب: إنه لما كثر بكاؤه أوحى الله تعالى إليه وأمره بأن يقول: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءًا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين فقالها آدم عليه السلام ثم قال قل: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءًا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين ثم قال قل: لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءًا وظلمت نفسي فتب على أنك أنت التواب الرحيم قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذه الكلمات هي التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشيطان}.
ووسوسة الشيطان قيل كانت دون مشافهة، إلقاء في النفس، وقيل بل كان بالمشافهة والمخاطبة وهو ظاهر القصة من غير ما موضع وكان دخوله إلى الجنة فيما روي في فم الحية، وكان آدم عليه السلام قد قال الله تعالى له لا تأكل من هذه الشجرة وعين له شجرة قد تقدم الخلاف في جنسها فلما وصفها له إبليس بأنها {شجرة الخلد وملك لا يبلى} أي من أكلها ملكًا مخلدًا عمد آدم إلى غير تلك التي نهي عنها من جنسها فأكلها بتأويل أن النهي كان في تلك المعينة، وقيل بل تأول أن النهي إنما كان على الندب لا على التحريم البت، وسارعت إلى ذلك حواء وكانت معه في النهي فلما رآها آدم قد أكلت أكل فطارت عنهما ثيابتها وظهر تبري الأشياء منهما وبدت سوءاتهما، {وطفقا} معناه وجعلا يفعلان ذلك دائمًا، و{يخصفان} معناه يلفقان ويضمان شيئًا إلى شيء فكانا يستتران بالورق وروي أنه كان ورق التين، ثم نص تبارك وتعالى على آدم أنه {عصى} و{غوى} معناه ضل من الغي الذي هو ضد الرشد ومنه قول الشاعر: الطويل.
فمن يلق خيرًا يحمد الناس أمره ** ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

وقرأت فرقة {وأنك} بفتح الألف عطفًا على قوله: {أن لا تجوع} وقرأت فرقة و{إنك} عطفًا على قوله: {إن لك}.
{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}.
{اجتباه} معناه تخيره واصطفاه، وتاب عليه معناه رجع به من حال المعصية إلى حال الندم وهداه لصلاح الأقوال والأعمال وأمضى عقوبته عز وجل في إهباطه من الجنة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {هل أَدُلُّكَ على شجرة الخُلْد}.
أي: على شجرةٍ مَنْ أكل منها لم يَمُتْ {ومُلْكٍ لا يَبْلَى} جديده ولا يفنى.
وما بعد هذا مفسر في [الأعراف: 22].
وفي قوله تعالى: {فغوى} قولان:
أحدهما: ضلَّ طريق الخلود حيث أراده من قِبَل المعصية.
والثاني: فسد عليه عيشه، لأن معنى الغيّ: الفساد.
قال ابن الأنباري: وقد غلط بعض المفسرين، فقال: معنى غوى: أكثر مما أكل من الشجرة حتى بشم، كما يقال: غوى الفصيل: إِذا أكثر من لبن أَمِّه فبشم فكاد يهلك، وهذا خطأٌ من وجهين.
أحدهما: أنه لا يقال من البشم: غَوَى يَغْوِي، وإِنما يقال: غَوِي يَغْوَى.
والثاني: أن قوله تعالى: {فلما ذاقا الشجرة} [الأعراف: 22] يدل على أنهما لم يُكثِرا، ولم تتأخر عنهما العقوبة حتى يصلا إِلى الإِكثار.
قال ابن قتيبة: فنحن نقول في حق آدم: عصى وغوى كما قال الله عز وجل، ولا نقول: آدم عاصٍ وغاوٍ، كما تقول لرجل قطع ثوبه وخاطه: قد قطعه وخاطه، ولا تقول: هذا خياط، حتى يكون معاودًا لذلك الفعل، معروفًا به.
قوله تعالى: {ثم اجتباه ربُّه} قد بيَّنَّا الاجتباء في [الأنعام: 87].
{فتاب عليه وهدى} أي: هداه للتوبة. اهـ.